رحيل بلبل الـهـنـد لــتــا منكَــيـشــكر 1929-2022

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

 كتب: عبد الله العلوي

فقد الفن العالمي إحدى أهم المطربات في التاريخ الفني خاصة الهند “لتا منكَيشكر“، والتي غنت في السينما الهندية من وراء السيتار PLAY BACK منذ 1942.  وقد خلفت الراحلة “لتا” ثلاثون ألف أغنية، وهو رقم قياسي عالمي، وغنت ب 36 لغة، وإن كان أكثر أغانيها بالهندية والأوردو. كما فازت بأعلى الجوائز الهندية والعالمية منها “ضابط جوقة الشرف الفرنسية“، وهو أعلى وسام فرنسي، كما فازت بجائزة “بهارات راتنا” وهو أعلى وسام هندي، كما رشحت لعضوية الغرفة العليا بالبرلمان الهندي.

ولدت “لتا” في 1929، وكان والدها “آدينانات” أستاذ الموسيقى الكلاسيكية في 1934، كان يعلم يوما أحد التلاميذ الأوزان الموسيقية عندما لاحظت “لتا” ابنة الخمس سنوات أن الطفل / التلميذ كان على خطأ، فأصلحت له النغمة . كان والدها قد عاد للغرفة عندما لاحظ أن ابنته الكبرى ذات الخمس سنوات مشبعة بالموسيقى، في تلك الليلة أبلغ زوجته: “لدينا مطربة في المنزل ونحن لا نعرف“. وبدأ يعلمها أصول الغناء، لكن فجأة وهي في عمر الثالثة عشر فقدت “لتا” والدها، كانت كبرى بناته مع إخوتها “آشا“و”أوشا” و”مينا” وولد واحد هو “دينانات“. وكان الكل يمتهن الغناء الذي لم يك في تلك الفترة عملا مربحا أو مقبول اجتماعيا، فاضطرت إلى العمل في تلك السن الصغيرة لإعالة الأسرة، كانت البداية في السينما، عندما شاركت في بعض الأفلام بتشجيع من منتج سينمائي، إلا أن وفاة هذا المنتج السريعة أدت إلى أزمة مالية للراحلة وأسرتها فاتجهت للغناء. كانت قد شاركت في الغناء من وراء الستار في بعض الأفلام ، وكان غلام حيدر الموسيقار المتوفى عام 1953، هو الأستاذ الثاني لها بعد والدها  والذي علمها أصول الغناء وكيف تتنفس وهي تغني، وهي إحدى طرق ترتيل وتجويد القرآن الكريم، بحكم أن غلام حيدر كان مسلما. وقد هاجر إلى باكستان بعد 1947 بعد انفصالها عن الهند، وكان من آخر ألحانه موسيقى فيلم “باكيزة” أو الطاهرة للمخرج كمال أمروهي، وكان آخر فيلم للنجمة “مينة كومار“.

كانت “لتا” غير مرتاحة للعمل في السينما كممثلة لذلك كان نجاحها في الغناء من وراء الستار كبيرا. كانت السينما الهندية قد بدأت بعد ظهور أول فيلم سينمائي ناطق في 1931، قد اختارت ثنائية التمثيل والغناء، لكن سرعان ما تخلت عن هذا التقليد في 1937، حيث أسند الغناء لمطربين محترفين يتمتعون بأصوات طربية، فالممثل يكتفي بتحريك الشفاه ويرقص مع نغمات الموسيقى ويعتقد المتفرج أو يوهم نفسه أن الممثل هو المطرب أيضا.

كان حظ “لتا” وإخوتها من الغناء وراء الستار هاما، فهي وشقيقتها “آشا بهوسلي” سيطرتا على الغناء خلال السبعين سنة الماضية، فحوالي 90% من الأفلام التي ظهرت من 1942 إلى غاية الألفية هي من غناء “لتا” و “آشا” وأحيانا “أوشا” شقيقتهما الثالثة. لكن “لتا” انفردت بكونها ليست مطربة فقط، بل علامة اجتماعية في تاريخ الهند. فقد شاركت في كثير من اجتماعات “جواهر لال نهرو 1889-1964” رئيس وزراء الهند 1947-1964، وزعيم حزب المؤتمر الهندي ورائد استقلال الهند، وغنت للجماهير المحتشدة أمام “جواهر لال” مؤيدة له و أغنيتها “أوميري وطن” <=ياوطني> لايوجد في الهند من لم يغنيها، حتى أنها مع النشيد الوطني الذي كتبه ولحنه “رابندرانات طاغور” الفائز بجائزة نوبل سنة 1913 تشكلان وعي الشعب الهندي وعاطفته الجياشة واحتماله وصبره على الأوضاع الاجتماعية وإشباعا معنويا يغني عن ماعداه.

ورغم كون “لتا” هندوسية، فقد كانت تعتبر الفنان والممثل الراحل “ديليب كومار1922-2021، وهو المسلم واسمه الحقيقي محمد يوسف خان أخاها، وكانت سنويا تعقد الرابط الأخوي في معصمه في عيد الأخوة الهندي -الراخي- كما أنها خلال 1944 -1980 شكلت مع محمد رفيع المطرب الراحل ثنائيا غنى أجمل الأغاني الثنائية في تاريخ الموسيقى في الهند، بحوالي 550 أغنية معا، وكان شاعرها وكاتب أغانيها المفضل مجروح سلطان بوري المسلم أيضا المتوفي في عام 2000.

ومع كون الهند خلال السنوات الأخيرة بدأت تعاني الطائفية مع نجاح حزب جاناتا المعادي للمسلمين بزعامة “ناريندرا مودي” في تولي الحكومة، فقد أكدت “لتا” في العام 2019 عندما احتفل بها هذا الأخير بمناسبة وطنية أكدت على الدور الوطني الذي لعبه “ديليب كومار” و“محمد رفيع“، فهي كانت متجاوزة للطوائف والصراعات المرتبطة بها باعتبارها كانت محبوبة وبلبل الكل في الهند.

*بـاحـث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *