دراسات في القضاء الإداري المغربي والجزائري محور يوم دراسي دولي بمراكش

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

سعيد العايدي

نظمت مجموعة الدراسات والأبحاث في الإدارة والقانون وماستر القانون الإداري وعلم الإدارة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش يوما دراسيا دوليا في موضوع: “دراسات في القضاء الإداري المغربي والجزائري” بمشاركة الأستاذ الدكتور بوعبد الله مختار عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة العربي بن مهيدي أم البواقي الجزائر وثلة من الدكاترة والأساتذة والباحثين من جامعة القاضي عياض.
ويأتي تنظيم اليوم الدراسي بالكلية نظرا للدور الذي يحضى به القضاء في أي بلد كيف ما كان نظامه السياسي والاقتصادي بدور حاسم في حماية حقوق وحريات المواطنين وصيانة البناء المجتمعي. وقد شكل القضاء المدني عبر الزمن الأساس لتحقيق هذه الأهداف باعتبار القاضي المدني كان دوما المدافع عن الحقوق والحريات.
غير أن تشعب أنماط الحياة وازدياد مرافق الدولة نتيجة لتزايد وظائفها لاعتبارات ارتبطت بظروف تاريخية وسياسية أدى إلى بروز قضاء إداري متميز عن القضاء العادي يختص في المنازعات التي يكون أحد أطرافها شخصا من أشخاص القانون العام.
وإذا كانت فرنسا توصف بأنها مهد القضاء الإداري الذي ارتبط تاريخه بتاريخ مجلس الدولة والذي ساهم في إعطاء هذا القضاء ذاتيته المستقلة عبر عقود من الزمن واستطاع إبداع مجموعة من النظريات والمبادئ التي أصبحت تميز القضاء الإداري، فإن مجموعة من الدول من بينها المغرب والجزائر تأثرت بحكم التاريخ الاستعماري بالتجربة الفرنسية في هذا الميدان.
وتأسيسا على ذلك فإن دراسة القضاء الإداري في كل من البلدين يعتبر مفيدا لفهم طبيعة النظام القضائي بهما، لكن يجب التأكيد على أنه رغم هذا التأثير الواضح لفرنسا على النظام القضائي بالبلدين يظل كل منهما محتفظا بذاتيته المستقلة والناتجة بالضرورة عن خصوصيات كل منهما.
ولتسليط الضوء على هذا الموضوع نظم هذا اليوم الدراسي حيث هدف هذا الملتقى العلمي إلى تسليط الضوء على بعض القضايا الأساسية التي تميز القضائين المغربي والجزائري في المادة الإدارية، خاصة وأن البلدين شهدا في هذا المجال تطورات مهمة غيرت عدة مفاهيم ضمن المنظومة القضائية بهما. كما رام هذا اللقاء أيضا تشريح بعض الإشكاليات التي أثيرت بشأنها اجتهادات قضائية وفقهية كبيرة أسالت الكثير من المداد منذ عقود من الزمن.
ومن خلال التقرير الختامي لليوم الدراسي الذي أعده الدكتور عبد الكريم بخنوش والدكتور حسن صحيب والذي جاء فيه أنه تم افتتاح اليوم الدراسي بكلمة السيد عميد كلية الحقوق بمراكش، تلاها نيابة عنه نائب العميد الأستاذ محمد مومن أكد فيها أهمية اليوم الدراسي في إبراز مكانة القضاء الإداري في كل من المغرب والجزائر خاصة وأن المداخلات موضوع اليوم الدراسي قدمت من طرف أساتذة باحثين مختصين في المادة الإدارية، وكذلك بالنظر لأهمية موضوع القضاء الإداري في تطوير النظام القضائي بالبلدين، بعد ذلك تناول الكلمة الأستاذ عبد الكريم بخنوش باسم المجموعة حيث أكد أهمية اليوم الدراسي في إبراز العديد من الإشكاليات الهامة التي كان يهدف هذا اليوم الدراسي إلى إبرازها، خاصة وأن الرقابة على أعمال الإدارة أصبحت ركنا حصينا في ترسيخ دعائم دولة القانون والمؤسسات.
وبعد هذه الكلمات الافتتاحية انطلقت المداخلات، حيث ترأس أشغال هذه الجلسة العلمية الأستاذ مراد بوستة عضو المجموعة، بالعرض الذي تقدم به الأستاذ مختار بوعبد الله تحت عنوان :” قراءة في تجربة القضاء الإداري الجزائري”. وقد أكد الأستاذ بوعبد الله رفضه لمسألة القول بأن الجزائر تعرف ازدواجية في القضاء وفق قراءته الخاصة للتجربة الجزائرية، فرغم إخضاع الإدارة، حسب رأي الأستاذ العميد، للرقابة من طرف هيئات قضائية وخاصة بعد اعتماد نظام قضائي مشابه تماما للنظام القضائي الفرنسي (إنشاء محكمة للتنازع ومحاكم إدارية ومجلس دولة) إثر التعديل الدستوري لعام 1996، يصعب معه تكييف النظام القضائي سواء في المرحلة الأولى أو الثانية بأنه يعرف قضاءا إداريا تاما. فكل الأجهزة القضائية تنتمي لنفس السلطة القضائية التي لها خطاب موحد للعدالة الواحدة. وبالنسبة للمشرع الجزائري ، بحسب الأستاذ بوعبد الله دائما ، فما زال الأمر على حالته السابقة يمنح الاختصاص النوعي للمحاكم المسماة محاكم إدارية، وهي اختصاصات حصرية في كافة المنازعات مهما كانت طبيعتها، وتبعا لذلك يخلص الأستاذ المحاضر بأنه يصعب اعتبار أن الجزائر تعرف قضاءا إداريا وفق التوصيف الفرنسي.
وفي المداخلة الثانية تناول الكلمة الأستاذ الحسين سرحان، منسق مجموعة الدراسات والأبحاث في الإدارة والقانون في موضوع :” مكانة ودور الغرفة الإدارية في إطار القضاء الإداري المغربي” . وقد أكد الأستاذ سرحان بأن الغرفة الإدارية، ومن خلال رصد تطورها التاريخي منذ إنشاء المجلس الأعلى سنة 1957 لها مكانة خاصة ضمن هيكلة محكمة النقض تتميز بها عن باقي الغرف المكونة لهذه المحكمة وذلك تبعا لحكم وطبيعة الاختصاصات التي تضطلع بها. فمن جهة فهي تنظر بصفة ابتدائية وانتهائية في قضايا الإلغاء إما بناء على الفصل 9 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، وإما بناء على الفصل 114 من دستور 2011، وإما بناء على نص قانوني خاص كما هو الشأن بالنسبة للفصل 41 المتعلق بالقرارات الإدارية الخاصة بهيأة الأطباء.
ومن جهة ثانية فالغرفة الإدارية تبث ابتدائيا وانتهائيا في القضايا الخاصة بفحص شرعية القرارات الإدارية وخاصة الحالة المتعلقة بالفصل 44 (المقطع الأول) من قانون المحاكم الإدارية.
ومن ناحية أخرى فإن الغرفة الإدارية تبت ابتدائيا وانتهائيا في إطار القضاء الإداري الشامل، وذلك في إطار الحالة التي ينص عليها مرسوم 1964 والمتعلق بانتخاب ممثلي قضاة محاكم الاستئناف في المجلس الأعلى للقضاء.
يضاف على ذلك أن الغرفة الإدارية تعتبر محكمة إدارية استئنافية طبقا لمقتضيات الفصل 12 من القانون المتعلق بمحاكم الاستئناف الإدارية. وأخيرا فإن الغرفة الإدارية تتميز بكونها تبث بشكل نهائي خاصة عندما تستعمل مسطرة التصدي تطبيقا لمقتضيات الفصل 17 من القانون المنظم لمحاكم الاستئناف الإدارية.
وقد خلص الأستاذ سرحان إلى أنه ليس هناك داخل محكمة النقض أية غرفة تتميز بتعدد اختصاصاتها كما هو الشأن بالنسبة للغرفة الإدارية، الشيء الذي يجعلها غرفة متميزة داخل محكمة النقض.
ومن جهته قدم الأستاذ جيلالي شبيه عضو المجموعة في المداخلة الثالثة عرضا حول موضوع “الطبيعة القانونية للقرارات الملكية في المجال الإداري “تصدى فيها لأحد المواضيع الأساسية التي طبعت اجتهاد الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى منذ إنشائه سنة 1957. وقد أكد الأستاذ المحاضر أن المجلس الأعلى منذ إنشائه سنة 1957 رفض التمييز بين الظهائر الملكية ما بين ما هو تنظيمي وما هو فردي، واستبعد كل الظهائر الملكية من الطعن بالإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة كما رفض البث فيها سواء في إطار دعوى التعويض أو دعوى فحص الشرعية.
وبخصوص الفقه أكد الأستاذ شبيه بأن الفقه انقسم فيما يتعلق بمسالة الظهائر الملكية إلى ثلاث فرق، فريق عارض موقف الغرفة الإدارية بشكل صريح وفي مقدمتهم الأساتذة “ديكرو” و “روسي” و “الطماوي” على أساس أن كل قرار يكتسي طابعا إداريا يجب أن يخضع لاختصاص القضاء الإداري ولرقابته. أما الفريق الثاني فقد أيد موقف الغرفة الإدارية بوضوح وأيد التبريرات التي استندت عليها ، وعلى رأسهم محمد باحنيني الذي تولى الرد على منتقدي موقف المجلس الأعلى. أما الفريق الثالث فقد ساير موقف المجلس الأعلى في عدم قابلية الظهائر الملكية للرقابة، ولكنه انتقد التبريرات التي استندت عليها في رفضه النظر في القرارات الملكية، ومن بين هؤلاء الأساتذة محمد مرغيني وعبد العزيز بنجلون وعبد القادر باينة وغيرهم.
أما بخصوص المداخلة الثالثة فقد تقدم بها الأستاذين عبد الكريم بخنوش وحسن صحيب، العضوين بالمجموعة. وتناولت هذه المداخلة موضوع “آثار هيكلة القضاء الإداري على النظام القضائي المغربي بعد إحداث محاكم الاستئناف الإدارية”. وقد أوضحت المداخلة أن إنشاء محاكم الاستئناف الإدارية يعتبر مرحلة أساسية في صيرورة تطور القضاء الإداري المغربي وذلك في أفق إنشاء مجلس دولة أو محكمة إدارية عليا انسجاما مع مقتضيات الفصل 114 من دستور 2011. كما تم التأكيد في هذا العرض على استمرار المظاهر الشكلية لنظام وحدة القضاء المغربي من جهة. ومن جهة ثانية تم إبراز مسألة تكريس ازدواجية القانون في ظل وحدة القضاء. وهذا ما يؤكد أننا لا يمكننا التحدث جزما بازدواجية القضاء في المغرب طالما أن هناك حالات يمكن فيها للمحاكم أن تنظر في قضايا مدنية وأخرى إدارية. وقد استمر الجدل بخصوص هذه المسألة حتى بعد إنشاء المحاكم الإدارية.
إضافة إلى ذلك فالقضاة عموما في نظامهم القانوني يخضعون لنفس النظام، وهذا ما يؤكد أننا لم نصل بعد إلى ازدواجية قضائية حقيقية، وبالتالي فلا يمكن، حسب الأستاذين إسقاط التجربة الفرنسية بطبيعتها وتاريخها على التجربة المغربية.
وقد اختتمت المداخلات في هذا اليوم الدراسي بعرض تقدم به الأستاذ عبد الكريم حيضرة، عضو بالمجموعة تحت عنوان “تطور الاجتهاد القضائي المغربي في منازعات مستخدمي المؤسسات العمومية”.
وحاول الأستاذ حيضرة في مداخلته بسط سؤال محوري يتعلق بالطريقة التي تعامل معها القاضي الإداري المغربي مع منازعات مستخدمي المؤسسات العمومية، كما حاول رصد تطور الاجتهاد القضائي بشأن هذه القضية. وفي هذا الصدد فقد أكد الأستاذ حيضرة أن تعامل الغرفة الإدارية مع هذا الأمر مر بمرحلتين: الأولى تبنى فيها المعيار المادي، وكان ذلك سنتي 1957 و 1966، وكان أغلب القضاة في هذه المرحلة فرنسيين، وتم تبني نفس الحلول المتبعة في النظام القضائي الفرنسي. أما المرحلة الثانية فقد تم فيها تبني المعيار العضوي ما بين سنتي 1966 و 1991. وفي هذا الصدد فيكفي أن يكون المقرر صادرا عن مدير مؤسسة عمومية بوصفه سلطة إدارية لكي يعتبر القرار إداريا ويدخل في الاختصاص الولائي للمحاكم الإدارية.
أما فيما يخص تعامل المحاكم الإدارية مع هذا الموضوع، حسب الأستاذ حيضرة دائما، فرغم أن المشرع حسم بموجب المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية الأمر بتبني المعيار العضوي، إلا أن موقف المحاكم الإدارية عرف نوعا من التردد. فقد تم تبني المعيار العضوي في بعض الأحكام.
ومن وجهة ثانية تم في أحكام حديثة الأخذ بالمعيار المادي، وهو الأمر التي يتماشى مع المقتضيات الدستورية خاصة الفصل 118 من الدستور الذي يؤكد أن كل قرار اتخذ في المجال الإداري يمكن الطعن فيه أما م الجهة القضائية المختصة.
من جهة ثانية أبرز اليوم الدراسي مجموعة من المواضيع التي تطبع النظامين القضائيين في كل مع المغرب والجزائر وسلط الضوء على بعض الإشكاليات التي ذهبت إلى أبعد من مجرد قراءة النصوص القانونية المجردة في البلدين. وهذا ما يفترض الوقوف مليا لتقييم طبيعة النظام القضائي بالبلدين من خلال دراسة طبيعة النظام السياسي والمجتمعي في كل بلد طالما أن المؤسسات ليست بالضرورة محايدة، ولا يمكن أن تكون كذلك بل هي إفراز للنظام السائد بكل بلد. وهذا ما يفترض فحص طبيعة وبنية النظام القضائي بشكل دقيق من اجل بناء قضاء يراعي بالضرورة خصوصية كل دولة على حدة، ويأخذ في نفس الوقت، وبعين الاعتبار مظاهر التخصص التي تطبع المنازعات القضائية تماشيا مع تطور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل بلد. وانتهى اليوم الدراسي حول دراسات في القضاء الإداري المغربي والجزائري في جو من المسؤولية والعلمية والالتزام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *