“مساهمة اليهود الأمازيغ وتأثيرهم في الفسيفساء الثقافي المغربي” عنوانا للدورة الثانية من المهرجان الثقافي لمجلس مدينة الدار البيضاء وجمعية قدماء التلاميذ بالدار البيضاء الكبرى

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

تقرير: مصطفى بولاغراس- الدار البيضاء

يهدف المهرجان إلى الرفع من المستوى الاجتماعي والثقافي بجهة الدار البيضاء سطات ولعب الأدوار الطلائعية في إنعاش المجال الفني والحرص على الحفاظ على الجانب المعماري والإنساني الذي يشهد على عراقة الموروث الحضاري لهذه الجهة وبالتالي ترسيخ مبدأ التسامح والتعايش بين الديانات والثقافات الثلاث، والعمل على رسم الملامح الإنسانية لهذه المبادئ التي تعتبر نبراسا ينير سبيلنا نحو آفاق إنسانية جميلة.

تحت عنوان: “مساهمة اليهود الأمازيغ وتأثيرهم في الفسيفساء الثقافي المغربي”، افتتحت يوم الثلاثاء 20 فبراير 2018 النسخة الثانية من فعاليات المهرجان الثقافي لمدينة الدار البيضاء الكبرى والذي تنظمه جمعية قدماء التلاميذ البيضاويين للدار البيضاء الكبرى بالشراكة مع مجلس مدينة الدار البيضاء على مدار ثلاثة أيام.

كانت البوادر الأولى توحي بأن المهرجان سيعرف نجاحا باهرا وذلك من خلال عدد الحضور الذين امتلأت بهم باحة مقر جهة الدار البيضاء سطات التي كانت في أبهى حللها، حيث زينت جدرانها بلوحات من الفن التشكيلي لأحد الفنانين المغاربة (الفنان عبد الله افنينو) إضافة إلى بعض الأواني المنزلية التقليدية العتيقة التي تؤرخ لمغرب ضارب في القدم.

هذا، وقد قام المنظمون بإعداد مطويات ووثائق تم وضعها رهن إشارة الحضور لكي يتابعوا برنامج المهرجان خطوة خطوة.

في بداية الحفل، قدم الدكتور عبد الله الشريف الوزاني توصيفا مجملا عن المهرجان وعن اختيار المنظمين للموضوع، حيث أكد على أهميته ضمن السياقات الدولية الحساسة. ثم بعد ذلك، قدم نبذة عن البرنامج الذي تم تخصيصه لسير أشغال المهرجان. فأعطيت الكلمة للمتدخلين

لقد كان لحضور السيد أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة الملك محمد السادس  (ضيف شرفي للمهرجان)

الوقع الطيب على جميع الحاضرين. فمكانته الاعتبارية أعطت للمهرجان ذلك الطابع الأكاديمي لكونه شخصية مغربية يهودية أمازيغية عربية تجمع في طياتها كل مكونات مجتمعنا المغربي الأصيل.

وفي كلمته التي ألقاها بالمناسبة، تقدم السيد أندري ازولاي بالشكر العميم للسيد التهامي بناصر بالخصوص، على ما قام به من أجل إبراز الدور الأساسي الذي لعبه اليهود المغاربة في الحفاظ على هويتهم وذلك من خلال اختياره لهذا العنوان موضوع المهرجان. حيث اعتبر أن المهرجان “يوفر لكل منا فرصة الاحتفال واللقاء وتقاسم لحظات نادرة وثمينة، في وقت أصبحت فيه القيم الروحية والدينية والثقافية تهجر الكثير من الضفاف من حولنا”. وأكد سيادته على أن المغرب “أمة كبيرة وحضارة عريقة تحترم قيم التسامح والأخوة، التي تشكل الأسس الحضارية، والهوية الثقافية للمملكة”.

وذكر مستشار صاحب الجلالة، أن اليهودية متجذرة في تاريخ المغرب، وتعود إلى أزيد من ثلاثة آلاف سنة، مسجلا أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ما فتئ، يعمل من أجل أن يبقى هذا التاريخ حيا، مضيفا، أن جلالته بصم التاريخ من خلال مصادقة الشعب المغربي على دستور 2011 الذي ينص على وحدة المغرب، التي تقوم على وحدة كل مكوناته العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية ،إلى جانب، روافدها الإفريقية والأندلسية واليهودية والمتوسطية.

اما السيد التهامي بناصر، بصفته رئيسا لجمعية قدماء التلاميذ البيضاويين للدار البيضاء الكبرى، فكانت كلمته مؤثرة حيث سافرت بالحاضرين إلى ثلاثينيات القرن الماضي، أي زمن تأسيس الجمعية، فذكر بالخصال الحميدة التي كانت تميز الرجال الأوائل الذين بصموا بأعمالهم تاريخ مدينة الدارالبيضاء، فكان منهم المسلم واليهودي والمسيحي.

هذا، واعتبر السيد التهامي بناصر، رئيس الجمعية المنظمة، أن تنظيم هذا المهرجان يأتي في سياق المبادرات التي تقوم بها الجمعية من أجل ترسيخ أسس الهوية الوطنية وربط المغاربة بتاريخهم الأصيل، وبجذورهم الثقافية والروحية والدينية، كما أشار، إلى أن المغرب نجح في الحفاظ على هويته الوطنية عبر إرساء قيم الانفتاح والتسامح والتعايش بين مختلف مكونات هذه الهوية، مضيفا أن هذه القيم استلهمت من سيرة ملوك الدولة العلوية الشريفة الذين حكموا المغرب وهم يحملون عروشهم على ظهور أحصنتهم بعدل وإنصاف، ودون تمييز بين رعاياهم سواء أكانوا مسلمين أم يهودا أم مسيحيين.

وفي مستهل كلمته، رحب السيد عبد المالك لكحيلي نائب عمدة الدار البيضاء بجميع المدعوين وفي مقدمتهم السيد أندري أزولاي، مستشار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، كما رحب بالسيد عبد الكبير زاهود، والي جهة الدار البيضاء سطات الذي يرجع له الفضل في التحضير لهذا المهرجان، وقد أشاد السيد عبد المالك لكحيلي بأبناء مدينة الدار البيضاء الذين عاشوا في جو من الألفة والتسامح فيما بينهم، حيث لم تكن العقيدة الدينية حاجزا منيعا تباعد بين آمالهم وأفكارهم، بل كان همهم الوحيد هو الرفع من مستوى تفكيرهم وإحساسهم بالوحدة والتلاحم الاجتماعي والإنساني الخلاق.

ومن جانبه، أبرز السيد أمين عام مجلس الطوائف اليهودية بالمغرب السيد سيرج بيرديغو، أن “التعددية الثقافية التي تتميز بها مدينة الدار البيضاء تشهد على أن العيش المشترك في إطار من التسامح والسلم أمر ممكن”.

وأكد أن الإجراءات النبيلة التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده والرامية إلى ترميم البيع والمقابر اليهودية ومتحف الملاح بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، والقيام بمبادرات مماثلة بمدن أخرى كفاس ومراكش، سيمكن من إشعاع الثقافة والتراث المغربي اليهودي والإسلامي على حد سواء. كما سيعمل على إرساء مبادئ التعايش والانفتاح على الآخر مما سيؤدي إلى إثراء مكونات الهوية المغربية وإغنائها.

وأكد السيد مصطفى بكوري، رئيس جهة الدار البيضاء سطات، على الأهمية الكبرى التي توليها مدينة الدار البيضاء لحماية الموروث الثقافي المغربي والحفاظ عليه لما يتميز به من تعددية وتنوع، ملحا على ضرورة نقل قيم التسامح والسلم واحترام الآخر والتعايش والإخاء للأجيال الصاعدة.

فبعد تقديم شذرات من الأهازيج الأمازيغية أطربت الحضور، توبعت أشغال المهرجان بتنظيم ندوات حوارية عرفت مناقشة بعض المواضيع ذات صلة بالمهرجان. ومن جانب آخر، تم عرض أشرطة سينمائية كشهادة موثقة للتعايش الذي كان سائدا بين كل مكونات المجتمع المغربي.

خلال اليوم الثاني للمهرجان الثقافي، تم تنظيم أنشطة ثقافية مهمة تمثلت فيما يلي:

  • تم تقديم كتاب “دور الحياة” للسيد سيرج بيرديغو وعرض فيلم “يا حسرة دوك الأيام”
  • كما ألقيت محاضرة من طرف السيد حسن أوريد حول الوجود الأمازيغي بالمغرب ومدى تفاعله في إرساء دعائم الشخصية المغربية الفريدة؛
  • وألقى السيد جوزيف الشتريت محاضرة حول: ” التفاعل الاقتصادي والثقافي للطوائف اليهودية الناطقة باللغة الامازيغية مع بيئتهم الامازيغية” وبين مستوى التواصل الذي كان سائدا على الصعيد التجاري والاجتماعي بين كل مكونات المجتمع المغربي؛
  • وكان لتدخل السيدين أحمد بوكوس والسيد رفائيل السرفاتي وقعا طيبا في نفوس الحاضرين لما لهما من اضطلاع سوسيولوجي ولغوي عبرا من خلاله على الدور الهام الذي يلعبه البحث العلمي في المجال التاريخي والاجتماعي.

واختتم اللقاء، بمداخلات بعض المفكرين المغاربة الذين أثروا النقاش حول الفكرة المحورية للمهرجان ألا وهي مبادئ التسامح والتعايش بين الثقافات والديانات داخل المجتمع المغربي بكل مكوناته.

هذا وعرف اليوم الثالث من المهرجان، نشاطا مميزا كان أبرزه الزيارة الميمونة التي نظمت لفائدة وفد من المدعوين لضريح محمد الخامس طيب الله ثراه بمدينة الرباط، حيث استقبل الوفد من طرف نائب محافظ الضريح الكولونيل ماجور الشريف حسن الصقلي الذي قدم للزوار لمحة تاريخية عن هذه المعلمة الكبيرة، فقام السيد التهامي بناصر رئيس جمعية قدماء التلاميذ البيضاويين للدار البيضاء الكبرى بالتوقيع في الدفتر الذهبي للضريح بعد ما تليت سورة الفاتحة ترحما على روحي المغفور لهما الراحلين العاهلين محمد الخامس والحسن الثاني.

وقام الوفد بزيارة للمدينة القديمة حيث عرج على مآثرها القديمة التي تؤرخ لحقبة زمنية ضاربة في القدم. ولوحظت مظاهر الحنين على وجوه الكثير من الحضور مما أعطى للبعض فرصة لاستذكار لحظات جميلة من أيام زمان.

وفي الأخير، كان مقر جهة الدار البيضاء سطات محجا للعديد من الشخصيات الوطنية التي أثثت بحضورها حفل الاختتام، فكان من بين الشخصيات التي حضرت هناك كاتبة الدولة في البيئة السيدة نزهة الوافي ،كما أقيم معرض للألبسة التقليدية قدمت خلاله عروض موسيقية، ضمن باقة فنية متنوعة أعطت دينامية جديدة للفعل الثقافي على مستوى مدينة الدار البيضاء.

وللإشارة بان هذا المهرجان عرف مشاركة مؤسستين وهما المديرية الجهوية للإتصال لجهة الدارالبيضاء سطات ومؤسسة الثرات الثقافي واليهودي المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *