بورتريه- إبن العريف : صوفية زاهد وزهد عارف

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

إلى ركن من جنبات ممر يصل بين رحبة العطارين، وسوق الحدادين، يلزم، ينستر رابضا جثمان القطب الرباني، بلعريف، بإطلاق أهل الحضرة المراكشية، حيث طمر قبل أيام جثمان القيادي لحزب الإستقلال، وكيل الشئون الخارجية في حكومة أحمد بلفريج في العام 1958، وزير الخارجية الأسبق في حكومة أحمد عصمان الثانية، الملقب بالحكيم الصامت، امحمد بوستة، الذي استعادت مواراة جثمانه بزاوية “بلعريف”، التي تجاوز استئثار الإهتمام الشعبي براقدها المحلية نحو العناية الوطنية التي انسرب إلى ذاكرتها التي لا تخترق باستثناء العارفين، والباحثين، في ذكر أعلام التصوف بمراكش، غير الرجالات السبعة الذين غطوا مساحة الإنتشار العرفاني، وتحديد الكمالات المعرفية، ومنطلقات الوصول بالفيض إلى إدراك الإخلاص الوجداني، قيما ومفاهيم ومعرفة ثابتة، انتبه إليها البحث في أعلام التصوف، في نهج التبتل وفيض الباطن، ودخيلة الطوية لدى العارف “بلعريف”.

فمن يكون “بلعريف”؟ وما مذهبه بين أهل التصوف وإشراقات طلوعه في مذهب أهل السنة؟

في سجل أعلام المغرب والأندلس، “بلعريف”، علم شامخ، سطع نوره في سماء أهل الزهد والتصوف، من مشاهير أولياء المغرب المتشبعين بالعلم والعمل، المعروفين بالتقوى والورع، مناقب سيرة طيلته أسالت حبر المترجمين والمؤلفين، وأفاضت “في وصفه ومدحه قَريحةُ العديد من العلماء والشيوخ والشعراء…، عالم جليل، وعارف رباني سَنيّ، اعتُبر من قِلّة القِلّة الأكابر، ومن أجّل علماء قرنه الأفاضل”، تقول الباحثة المساعدة بمركز الدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة، كريمة بن سعاد، التي عرفته في دراسة حديثة لها في عنوان،” ابن العريف أَحْمَدُ بنِ عَطَاءِ اللهِ الصِّنْهَاجِيُّ (481ﮪ-536ﮪ)، منشورة على جدارية موقع “مركز الإمام الجنيد”، للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة، أنه ” ابْنُ العَرِيْفِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ عَطَاءِ اللهِ الصِّنْهَاجِيُّ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، العَارِفُ،  المَرِيِّيُّ، المُقْرِئُ، صاحب المَقاماتِ والإِشاراتِ، وُلد سنة481ﮪ، (بألمرْيَة)، التي عدت “العاصمة الروحية لجميع صوفية الأندلس، ومركزا مهما من مراكز التصوف بها”، بينما تذكر الباحثة كريمة بن سعاد عن “إبن الأبار” صاحب كتاب (معجم أصحاب الإمام الصدفي)، في أصل إبن العريف والتعلق بالتعلم،  أنّ “أصل أبيه من طنجة…، نشأ وقد مسّته الحاجة فرفعه أبوه في صِغره إلى حائك يعلمه، وأبى هو إلا تَعلُّم القرآن والتعلق بالكتب، فكان ينهاه والده ويُخوَفه، ودار له معه ما كاد يُتلفه إلى أن تركه لقصده”، وإذ المعروف أن ابن العريف “دَرَس على مشاهير علماء طنجة، فبرز في الحديث واللغة والأدب”،حيث عاصر كبار العلماء والشيوخ في عصره وصَحبهم، وأخذ عنهم مَصلَ العلوم ولُقاح الفُهوم، أمثال: “حُجة الإسلام أبو حامد الغزالي، -الذي تأثر بطريقته- والقاضي أبو بكر محمد بن العريف، ومحمود الزمخشري، والإمام المازري، وأبو بكر الطرطوشي وغيرهم”، تشير الباحثة. وذكر الذهبي في كتابه “السير” غير أولائك الذين ذكرهم “إبن الأبار”، أسماء شيوخ تلقى عنهم إبن العريف العلم من قبيل “أبي الحسن البَرجيَّ، ومحمد بن الحسن اللَّمغاني، وأبا الحسن بن شفيع المقرئ، وخَلَف بنَ محمد العُرَيبي، وأبى بكر بن الفصيح، واختص بِصُحبة أبي بكر عبد الباقي بن محمد بن بُريال”، في ما أخذ علم التصوف عن شيوخ كبار، ضمنهم “الشيخ ابن برجان، عن أبي بكر بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري، عن أبي محمد أحمد بن محمد المعارفي عن أبي سعيد أحمد بن الأعرابي عن شيخ الطريقة أبي القاسم الجُنيد”، وروى عن “أبو خالد يزيد مولى المعتصم، وأبو بكر عمر بن أحمد بن رزق، وأبو محمد عبد القادر بن محمد القرَوي” .

زاد العلم ، لم يكن من شأوه غير إنتاج المعرفة المرتبطة عند “إبن العريف”، بالأدوار الإجتماعية التي يخالطها شيء من قيم التواصل، الذي استند فيه على الإيثار، الذي أصله “الأثر” الذي هو في قاموس العارفين باللغة “التقديم”، وفي مصطلح المتصوفة “الإيثار بالنفس على ما تحب، والإحسان إلى الخلق بما يحب”، لذا كان “الإيثار من الأركان العشرة التي قال بها أبو الحسن محمد بن أحمد الفارسي، وأولها تجريد التوحيد، ثم فهم السماع، وحسن العشرة، وإيثار الإيثار، وترك الاختيار، وسرعة الوجد، والكشف عن الخواطر، وكثرة الأسفار، وترك الاكتساب، وتحريم الإذخار”، ذات القيم والصفات تجملها الباحثة كريمة بن سعاد في قولها ” جمع ابن العريف رحمة الله عليه في تناسق فريد بين علوم الشريعة وعلوم الحقيقة، و واكب ركب الزهاد والأئمة الكبار، حتى لُقب بـ: (إمام الزهد)”، كما فيها أشياء من المشاركة العلمية من خلال العناية “بالقراءات وجمع الروايات واهتمام بطرقها وحملتها”، ومناغمة ذلك، مع الغاية من الخلق، إذ كان إبن العريف “متناهيا في الفضل والدين، منقطعا إلى الخير، وكان العُبّاد وأهل الزهد في الدنيا يقصدونه ويألفونه فيحمدون صحبته”، حتى ّأمسى عَلما عاليًا شامخًا، يتوارى عن الشهرة، لا يُحبذ الجاه، ولا كثرة المال، بل التواضع، ومجاهدة النفس، بالتقرب إلى الله والتّذلل إليه، والتحلي بالعلم والأخلاق”، تذكر نفس الباحثة.

واستباح سرعة الوجد الذي ذكره أبو الحسن محمد بن أحمد الفارسي، ضمن الأركان العشرة للتصوف، لدى “إبن العريف”، القول المنظوم في الثناء ومدح خير البرية محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، حيث كان الشعر نافذته الأخرى التي يطل منها على الإمتثال والطاعة لله، والإنتهاء بنواهيه، وتجنب عصيان الذات المتفردة بالسمو والكمال والوحدانية، والمنزهة عن النقيصة، دخيلة وجدانية، وفيض روحي، شوق وتعظيم للرسالة المهداة إلى البشرية، وتوصيف للشمائل المحمدية،  يقول “إبن العريف” في إحدى قصائده المدحية: شدوا الرحال وقد نالوا المنى     وكـلهم بأليــم الشـوق باحــا

نسيـم قـبر المصطفى لهــــــم     روح إذا سكروا من ذكره فاحا

ويعتبر إبن العريف “من أول المفسرين لتصوف الغزالي بالمغرب، وتسمية أصحابه بأتباع الطريقة الغزالية”، يقول إبراهيم السملالي: “فقيه زاهد إمام في الزهد، عارف محقق”، ويقول التنبكتي: “فقيه زاهد، عارف محقق…كان يكتب سبعة خطوط لا يشبه بعضها بعضا”.

هو ذاك، الفقيه الزاهد، العارف الشاهد، الورع التقي، ” ابن العريف أَحْمَدُ بنِ عَطَاءِ اللهِ الصِّنْهَاجِيُّ”، المتوفى سما مدسوسا في طعام قاضي ألمرية المعروف ب “إبن الأسود”، فأكله فمات”، وقال إبن إسحاق: “فلما عَلِم السلطان بما كان من القاضي ابن الأسود في جانب ابن العريف قال: لأعذبنّهُ ولأسمنّهُ كما فعل بابن العريف، فبعثه إلى سوس الأقصى وأمر أن يُسقى سُمّا هنالك، فامتثل ما أُمر به فمات هنالك”، ودفن إبن العريف “في الجامع القديم بوسط مراكش في روض القاضي عياض موسى بن حماد الصنهاجي سنة 536ﮪ”، حيث يحمل الممر الذي يفصل بين رحبة العطارين وسوق الحدادين بمراكش، ويعرف لدى أهل مراكش ب “طريق بلعريف”، في ما أطلق  المجلس الجماعي السابق على الممر إسم “سوق بلعريف”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *