الكوارث: سبل المواجهة

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

»إذا كان استباق الكارثة و مواجهتها أمرين أساسيين تقوم بهما الدولة و أجهزتها لتفادي الكوارث، فإن الأمر الثالث هو تجاوزها مع مخلفاتها»

كتب- عبد الله العلوي

لم تغفل الدساتير المغربية المتعاقبة قضية الكوارث، فقد نصت على التضامن في مواجهتها وعلى تكاليفها بحد القول: «على الجميع أن يتحملوا متضامنين التكاليف الناتجة عن الكوارث». والمقصود بالتضامن تحميل القادر التكاليف عن غير القادر. و لم يعرف الدستور الكارثة   ولا التضامن كما لم يحدد نوعية التكاليف، بل اكتفى بالقاعدة المشار إليها تاركا للقانون و لظرفية الكارثة و مرحلتها تحديد مفهوم الكارثة و مدى التضامن و نوعية التكاليف. فـــــما هــي الــكـارثــة؟

مدخل إلى التعريف

يمكن تعريف الكارثة أو الكوارث بأنها “الحدث المأساوي غير المتوقع“. والكارثة إما أن تكون طبيعية كالزلزال أو الفيضان أو الحريق أو الجفاف… وإما أن تكون غير طبيعية كالحروب و الثورات و التمرد ومحاولات الانقلاب…. إلا أن التعريف السابق قد يكون قاصرا في المرحلة الحالية سواء تعلق بالكوارث الطبيعية أو غير الطبيعية أحيانا، فمع ثورة الإعلام و الأخبار و تعاون المنظمات الدولية، أصبحت الكارثة الطبيعية وغير الطبيعية متوقعة أو شبه متوقعة، إلا أن التداعيات قد تكون غير متوقعة، فكارثة الحرب على العراق في 2003 – مثلا- كانت متوقعة، مما أوجد نظرية جديدة في ميدان العلوم الاجتماعية و السياسية هي نظرية “المتوقع“؛ إن الحدث المأساوي غير المتوقع يتحول مع الأجهزة الاستشعارية حتى في ميدان الكوارث الطبيعية إلى حدث متوقع، لذلك يمكن القول إن التعريف الأنسب مرحليا للكوارث هو: ”الحدث المأساوي المتوقع وغير المتوقع“.

و هناك من يعرف الكارثة بأنها « هي التي تقع داخل الدولة و تتسبب في أضرار عامة واسعة»، إلا أن الكارثة قد تأتي من خارج حدود الدولة كالتسونامي أو انهيار أو بناء السدود – كسد النهضة بإثيوبيا لمنع مرور مياه النيل إلى مصر – بالنسبة للدول التي تتشارك في بحار أو أنهار معينة،  ثم إن الكارثة قد تكون سياسية – أزمة العراق و تداعياتها في 2003- أو قد تكون طبيعية كزلزال النيبال في سنة 2015، الذي فقد فيه 200 ألف شخص أرواحهم، وخلق خسارة اقتصادية هائلة. فالكوارث تكون طبيعية وقد تكون نتيجة تدخل أو تآمر خارجي.

لقد تجاهلت منظمة الأمم المتحدة المعطى الخارجي و السياسي للكوارث، حين أعلنت في سنة 1994 «استراتيجية يوكوهاما » للتأهب لمواجهة الكوارث، و أعلنت في سنة 1999 «الإستراتيجية الدولية للحد من الكوارث»، ووضعت المنظمة نفسها في سنة 2005 برنامجا لمدة 10 سنوات  لبناء قدرات المجتمعات على مواجهة الكوارث؛ ومن خلال ذلك يتضح أن الأمم المتحدة لازالت ترى أن الكوارث ترتبط بعامل طبيعي فقط، في حين أن الذين فقدوا أرواحهم في احتلال أفغانستان سنة 2001 و العراق سنة 2003، فاق عدد الذين فقدوا أرواحهم في الزلازل و الأعاصير، ناهيك عن تدمير الاقتصاد، والمؤسف أن منظمة الأمم المتحدة لم تتخذ أي قرار في مواجهة مرتكبي الكوارث السياسية آنا و مستقبلا، بل قامت بالنسبة لاحتلال العراق و أفغانستان بمنح واشنطن إقرارا بكونها دولة محتلة للبلدين، أي منحتها غطاء شرعيا و تلك هي المأساة التي ما فتئت تداعياتها تنتج عن الكوارث المتتالية، إلا أن النقاش يتجاوز الكارثة المتوقعة، و غير المتوقعة تداعياتها إلى تساؤل حول كيفية مواجهة الكارثة؟ و يعقبه سؤال ثان عن: كيفية تجاوزها أي تجاوز نتائج الكارثة و ثم أسئلة أخرى حول استباق الكارثة و مواجهة اختلاقها و صناعتها.

مواجهة الكارثة :

تختلف الدول في إجراءات مواجهة الكارثة، ذلك أن بعض الدول تملك القدرة المادية و التعبوية إداريا و هيكليا لمواجهة الكارثة، مثل اليابان التي تعاني من زلازل متوقعة وتتوفر على أجهزة استشعار؛ كما أن إجراءات التعمير و البناء تم تجهيزها سلفا لمواجهة الكارثة، بالإضافة إلى قدرة هذه الدولة  الثرية ماليا و المتقدمة علميا و التي تتوفر على تجربة هيكلية و أدوات لمواجهة الكارثة من جهة، كما تتوفر من جهة أخرى على نظام متكامل لتجاوزها، وفي هذا تختلف الدول عن بعضها، فبعض أو أكثر الدول لا تستطيع التصدي للكارثة، وليس لها قدرة هيكلية لمواجهة النتائج أو التداعيات – ونسوق هنا مثال- الإيدز في بعض الدول الإفريقية، الذي ينتشر بمتواليات هندسية: «2-4-8-16…» نعم مع الظروف الدولية الراهنة صارت المساعدات الدولية و التضامن الدولي، تتضافر من أجل تجاوز هذه الكارثة حتى لو كانت وطنية.

إلا أن هذا لا يكفي لمواجهة و تجاوز الكارثة، لأن أجهزة الدولة الموبوءة  و المصابة ينبغي أن تلعب الدور الاستباقي و الأساسي لمواجهة الكارثة، و يبقى الجهد الدولي عاملا مساعدا فقط، رغم أن ميزة المرحلة الراهنة هي التضامن في الكوارث الطبيعية و الأوبئة؛ لا تتوقف الكارثة في حدوثها بل تستمر مع التداعيات التي ترتبط بـها: القتلى، الجرحى، الدمار، انتشار الأمراض و الأوبئة، عصابات السرقة، أغنياء الأزمات، الفساد الإداري….. مما يجعل الدولة و أجهزتها أمام مجموعة من العوامل المربكة و الخطيرة، التي تحتاج إلى اتخاذ قرار حاسم و سريع.

وتختلف الدول في مواجهة الكوارث و تداعياتها، فالدول المركبة مثل ألمانيا و الولايات المتحدة و المكسيك، التي تتألف من فدراليات وحكومات محلية و حكومة مركزية، تتخذ القرارات محليا و وطنيا. إذ القرار يكون في يد الحكومة المحلية أساسا، و يتدخل المركز للمساعدة إما عن طريق الجيش، أو القرار السياسي بتوجيه الدعم المركزي للمنطقة عينها إذا كانت الكارثة محلية، أما الدول البسيطة: مثل المغرب و فرنسا و الجزائر وهي التي تتميز بارتكاز أو تمركز القرار في المركز، فإن هذا المركز هو الذي يتخذ القرار الأول  والأخير لمواجهة الكارثة و تداعياتها، و تكون الأجهزة المحلية متخلفة عن اتخاذ القرار وهي ضعيفة بطبيعتها، كما تتميز بخوف الأطر المحلية من اتخاذ القرار دون استشارة المركز و موافقته – مثال حوادث مخيم إكديم إيزيك سنة 2013-، مما يعطل اتخاذ القرار العاجل و الحاسم لمواجهة الكارثة و نتائجها. وقد تتضاعف تداعيات الكارثة نتيجة هذا الاضطراب بين ما هو محلي و ما هو وطني.

تـــجـــاوز الــكــارثــة:

إذا كان استباق الكارثة و مواجهتها أمرين أساسين تقوم بهما الدولة و أجهزتها لتفادي الكوارث، فإن الأمر الثالث هو تجاوزها مع مخلفاتها، والرجوع إلى الحالة السابقة لما قبل الكوارث. وهذا لا يختلف في شيء عن مواجهة الكارثة، إذ أن تجاوز تداعيات الكوارث و إعادة المنطقة الى حالتها العادية مع أقل قدر ممكن من الخسائر هي النتيجة المطلوبة. فلو كانت الكارثة طبيعية فإن إعادة المتضررين إلى وضعيتهم العادية سكنا و شغلا، واجتماعيا بصفة عامة، عبر تهيئ الظروف المادية و المعنوية للمناطق المتضررة، هو الأمر المطلوب من الدولة و أجهزتها لتجاوز تداعيات الكوارث، أما إذا كانت الكارثة غير طبيعية كالتمرد و الحرب و العصيان، فالمطلوب تحييد القائمين به بأقل ضرر ممكن و إعادة تأهيل المنطقة أو المناطق، عبر استغلال الدولة لقواتها العامة البشرية والاقتصادية لتكريس السلام الاجتماعي في المنطقة المقصودة. :

اسـتــبـاق الــكــارثــة :

في العديد من المراحل يمكن استباق الكارثة ولكن ليس بشكل دائم، فقد صار ممكنا ومعروف لدى بعض الدول رصد بعض أسباب الكوارث نتيجة التقدم العلمي: كالمناطق الزلزالية والأعاصير السنوية والحرائق، و بالتالي صار ممكنا استباق وقوع الكارثة أو التخفيف منها ومن آثارها على الأقل، حيث يتم تهجير السكان من مناطق الخطر، و اتخاذ إجراءات لمنع امتداد الحرائق: كالفراغات الفاصلة بين أشجار الغابات، وتغيير المعمار لتتناسب الدور مع الدرجات الزلزالية حسب السلالم، و تشجير المناطق البعلية والصحراوية لإيقاف زحف الرمال، و توزيع الأدوية و الأمصال لإيقاف انتشار الأمراض أو مرض معيـن.

ولا تنتهي صور استباق الكارثة إذ تختلف من دولة لأخرى و من مكان لآخر، و استباق الكارثة أو التخفيف منها يستلزم من أجهزة الدولة تهيئا دائما ومستمرا للأطر، سواء في الوقاية المدنية أو الشرطة أو الجيش أو الأجهزة الطبية أو الإدارية كتخزين وسائل الاستباق: الخيام، الأغطية، المواد الغذائية، مياه الشرب، الأدوية، المستشفيات المتنقلة، ويقظة الأجهزة القضائية لتحييد المستفيدين من الكوارث، و إعداد أماكن الاحتجاز، لأن بعض الدول تلجأ إلى إعدام اللصوص ميدانيا بدون تحقيق، وهو أمر قد تكون له انعكاسات أخلاقية و اجتماعية، إذ أن حالة الطوارئ التي تعلن عادة قد يستفيد منها بعض الموظفين للتصفية السريعة لخصومهم و للإثراء من الأزمة

اختلاق الكارثة :

قد تكون الكارثة مختلقة فيتم التهويل من شأنها و تضخيمها إلى درجة نشر الرعب في الوسط الاجتماعي للمنطقة المعتقد أنها موبوءة أو على المستوى الوطني، فيستغل البعض هذا التهويل الذي ينتج عنه رعب عام، إما لمصلحة أشخاص طبيعيين أو شركات في أكثر الأحيان للاستفادة من كارثة لم تقع أصلا أو من تداعياتها، وذلك من أجل بيع منتوجاتها: كالشركات التي استغلت الدعاية القائمة حول وباء الإنفلونزا لبيع أمصال لم تستعمل لكون الكارثة كانت مختلقة، و يتضاعف اختلاق الكوارث مع سيطرة الاتجاه الرأسمالي على المنظومة السياسية في العالم، ومع استغلال الإعلام الذي صار سلطة مؤثرة، فإن صناعة الكارثة يصبح أمرا واقعا في منعرجات معينة، فتستغل الشركات الرأسمالية حالة اللاتوازن و الرعب العام لبيع منتوجاتها عبر استغلال الوضع، وقد تكون هذه المنتوجات مواد محددة أو استشارات. ويمتلئ العالم بعصابات دولية على شكل شركات، تستغل الدول لبيع مواد غير صالحة، و استنزاف مواد في مراحل معينة مع استغلال الكوارث أو الإيهام بها، ولهذا يجب عدم السقوط في أحابيل هذه الشركات أو الأشخاص بخلق مؤسسات اجتماعية، تتمتع بأجهزة علمية ووعي سياسي/ اقتصادي لتجاوز المحاولات التي تقوم بها هذه الشركات لاستغلال تداعيات الكارثة المختلقة أو المخوفة.

الــكـوارث الـتآمرية:

إضافة إلى المآسي الطبيعية و الحروب، فإن العالم مقبل على كوارث من صنع البشر – إن صح التعبير أو المصطلح- فالصين و الهند اللتان تتوفران على أضخم تجمع بشري يصل إلى حوالي مليارين و نصف المليار. و تتنافسان على العالم الإفريقي، الذي يتوفر على أراض شاسعة خالية من السكان، و قد تزداد خلوا مستقبلا نتيجة الأمراض والحروب، إن التجمعات البشرية لهاتين الدولتين بدأت تتشكل في إفريقيا، فهناك مجتمعات هندية تتعزز باستمرار، وصينية بدأت في الـتأسيس، وتلعب الصين و الهند حاليا دورا هاما في تعزيز السلام الدولي من الكوارث لمجرد أنهما تحتفظان بشعبيهما في بلديهما، لكن الانفجار السكاني قد يؤدي إلى كوارث، خصوصا للبلدان القريبة من قوس التمدد البشري كالخليج العربي، و هذه الكوارث إذا كانت حاليا مجرد افتراض فقد تصبح واقعا مأساويا في المقبل الكارثي.

خــلاصــة

يستخلص مما سبق، أن الكوارث قد تكون طبيعية محلية أو وطنية، وقد تكون غير طبيعية داخلية أو ذات تدخل خارجي، صادر عن مؤامرة دولية بمساهمة أو مشاركة المنظمات الإقليمية و الدولية ضد نظام أو وحدة الدولة المعنية بالكارثة. ولمواجهة و تجاوز الكوارث فإن التضامن يستلزم توزيع التكاليف و الثروة على الشعب، وتهيئ الجماهير معنويا و تعبويا وموضوعيا في إطار المساواة، وإيقاف نشر ثقافة القيم الاستهلاكية و توحيد الرؤى في التعليم و الإعلام، و تكوين الأجيال وطنيا عبر تعديل البرامج المدرسية، والارتكاز على عقيدة الشعب لدحض مؤامرة الخصم، و إظهار الجلد لإفشال المخططات، وهكذا يكون بالإمكان تجاوز الكارثة أو الكوارث كيفما كانت.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *