السلطة السياسية في المغرب: جدلية البيعة والدستور (الحلقة3)

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

د/ مصطفى بن شريف

يعتبر الدستور هو القانون الاساسي للدولة ،وميثاق سياسي تتفرع عنه المبادىء الكبرى المعلنة والمؤسسة لشكل الدولة ( موحدة او فدرالية) وطبيعة النظام السياسي ( أي تحديد نظام الحكم ) وتنظيم فصل السلطات( التشريعية والتنفيذية والقضائية)،و تحديدالضمانات الأساسية لحقوق وحريات الأفراد وحمايتها .

وبالنسبة للتجربة المغربية المتعلقة بالسلطة السلطة السياسية، وكيفية ممارسة الحكم، وإعمال مبدأ فصل السلطات، لا زالت تثير وتطرح العديد من الأسئلة، يصعب أحيانا تحليلها بتطبيق منهجية محددة، بل يتعين وبدون شك، اعتماد منهجيات مختلفة من اهمها المنهجية التاريخية والمنهجية التحليلية، من أجل بلورة تصور أو مخرجات نظرية تتسم بالموضوعية، وتنتصر للتحليل الرشيد بشكل مستقل عن أي تأثيرات، وذلك من أجل إعطاء مصداقية لأي موضوع أو بحث أو أطروحة.

وهكذا، نتساءل في البداية عن من يمارس السلطة التنفيذية في النظام السياسي المغربي؟ هل هي مجال مشترك بين الملك والحكومة؟ وهل الملك سلطة ام أنه سلطات؟ وما مصدر هذه السلطة أو السلطات؟ هل هو مصدر تاريخي وديني ام دستوري، ام أن جميعها تعتبر مصدرا من مصادر الشرعية التي يقوم عليها النظام السياسي المغربي.

تشكل الشرعية الدينية ( البيعة) إلى جانب الشرعية السياسية ( الدستور) أساسا لاكتساب المشروعية في الحكم، مكن الملكية من توظيف سياسة ناجحة، تتمثل في اعتماد استراتيجية جد محكمة شعارها الضمني ” التغيير في ظل الاستمرارية” وهو الاسلوب الذي حافظ به النظام السياسي على جوهره التقليداني، مع الانفتاح على التجديد في ظل التكريس الضمني لثنائية الراعي والرعية، حيث توظف التقليدانية لخدمة الحداثة أو المعاصرة في إطار من التعاون والتكامل.

اولا: البيعة ووظائفها الدينية والسياسية

تعرف البيعة بأنها تقليد اسلامي نشأ مع الدعوة النبوية إلى الاسلام بتكليف إلهي، وهكذا تكون البيعة قد بدأت دينية قبل أن تتحول إلى مفهوم وعقيدة سياسية، وهو ما يعني أن البيعة كانت في بدايتها وسيلة لنشر الدعوة الاسلامية في فترة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تحولت من مفهوم ديني إلى مفهوم سياسي في شكل وثيقة سياسية تعتبر بمثابة تعاقد بين الحاكم والنخبة أو الصفوة من العلماء والوجهاء من المدنيين والعسكريين ، بموجبها يتقلد الخليفة السلطة أو الحكم.( راجع، إدريس جنداري، مفهوم البيعة بين المرجعية الدينية والتأويل السياسي:قراءة في السياق المغربي، مجلة وجهة نظر، العدد 55 ، 2013 ،ص 9.)، وتأسيسا على ذلك شكلت البيعة مصدر شرعية السلطة في فجر الاسلام ،ولا زالت تعتبر المدخل الأساسي لتولي منصب الامامة أو الخلافة أو إمارة المؤمنين، وهي كلها مترادفات تتوحد في مقاصدها الشرعية والسياسية، لخدمة مفهوم واحد هو السلطة بكل تجلياتها، مع تأويل الطاعة بأنها تعاقد بين الحاكم والرعية وهي في جوهرها طاعة وليست بعقد أو تعاقد( راجع،محمد اتركين، السلطة والشرعية في دار الاسلام، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، 2006 ، ص47-48 ).

يتبين من مفهوم البيعة بأنها وسيلة مستمدة من الاسلام غايتها تنظيم دار الاسلام دينيا وسياسيا، وتحديد كيفية انتقال السلطة من خليفة أو سلطان متوفى إلى خليفة أو سلطان مستخلف، الذي يحكمه مبدأ وراثة العرش أو الخلافة أو الملك. وهو الاسلوب الذي اعتبره جانب من الفقه والجماعات الإسلامية بأنه يتعارض مع المقاصد الشرعية للبيعة القاءمة على الشورى أو الاختيار بالانتخاب، أو عن طريق المبايعة المستمدة من الخلافة الاسلامية، التي تفسر بوجود مرشح وحيد ،بمبادرة منه، أو باقتراح من الجمهور، والنمط الثاني هو الذي انتصر له مرشد جماعة العدل والإحسان المرحوم عبدالسلام ياسين، علما أن موقفه كان واضحا على الأخص من القومية والعلمانية والديمقراطية التي اعتبرها جميعها أنها من تجليات الفتنة، وشدد أيضا بأن الديموقراطية ليست مكسب للانسان أو كونها تشابه الشورى، لكنه انتقد من وصف الديموقراطية كفرا.

ويشكل تفسير جماعة العدل والإحسان للبيعة والخلافة، أحد أبرز مواطن الخلاف مع النظام السياسي المغربي الذي يمثل و يحتكر جميع الشرعيات: الدينية والتاريخية والسياسية والدستورية، وهو ما يفسر القول أن ” المجال الديني في المغرب هو مجال محفوظ للملك ” غير قابل للتزاحم أو التنافس، تؤطره وتحميه القواعد والمبادىء الدستورية، كما هو منصوص عليه في الفصل 41 من دستور 2011، الذي يعتبر امتدادا للفصل 19 من دساتير 1962 و1970 1972 و1992و 1996، الذي أضفى( الفصل 19) صفة أمير المؤمنين على الملك. ورغم الغاء الفصل 19 المذكور، إلا أنه تم تقسيمه إلى الفصلين 41و 42 من دستور 2011 ، وتم تكريس الجوهر التقليداني للملكية بالحفاظ على إمارة المؤمنين من داخل الدستور ،و نظام البيعة من الارث الإسلامي ومن خارج الدستور .

( يتبع في الحلقة المقبلة: السلطة التنفيذية في النظام السياسي المغربي )

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *