الأقليات المسلمة في العالم: الصين وبورما نموذجا

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

عبد الله العلوي

تنتشر الأقليات المسلمة في العالمين الآسيوي والإفريقي بشكل مؤثر، ويختلف أمرها من بلد إلى آخر من حيث العدد والتأثير والحضور؛ وباستثناء أمريكا الشمالية والجنوبية التي تعرف أقليات مسلمة غير مؤثرة استوطنت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، خصوصا في أمريكا الشمالية: كندا والولايات المتحدة الأمريكية، فإنه في أوروبا ونيوزيلندا وأستراليا، ونتيجة للشتات العربي وللهجرة والعلاقات الإستعمارية والجوار الجغرافي، تشكلت مجتمعات إسلامية ذات حضور متميز، وتعتبر آسيا وإفريقيا – غير العربيتين- أهم مناطق التواجد الإسلامي بغض النظر عن الدول الإسلامية الآسيوية والإفريقية.

 

ومن المعروف أن بعض المصادر تنشر تقارير غير دقيقة، لعدد المسلمين في العالم، إذ تعدهم في حدود مليار وخمسمائة مليون نسمة، وهذا الرقم ظل يتردد منذ السبعينيات من القرن الماضي. في حين أن {باكستان وبنغلاديش وإندونيسيا والأقلية الإسلامية في الهند}، تشكل وحدها حوالي مليار نسمة من المسلمين، دون العالم العربي والإفريقي وباقي الدول الإسلامية، فضلا عن الأقليات، فعدد المسلمين في العالم يتجاوز الملياري نسمة، لكن المخططات والصراع والبرامج والإعلام تلعب كلها الدور الهام في محاولة إضعاف المسلمين من تحجيم القوة العسكرية، والإقتصادية، إلى نشر التجزئة إلى تزوير الأرقام لخلق جو من الضعف على جميع المستويات بما فيها العدد / الكتلة العددية.

وتعتبر الأقليات الإسلامية في العالم الآسيوي الأهم على مستوى العالم، وتتواجد في الهند، والصين، وميانمار، وسريلانكا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلند، وڤيتنام، وكمبوديا والنيبال.

أما في إفريقيا فإن الأقليات الإسلامية تتواجد في كل البلدان الإفريقية (غير الإسلامية بالكامل)، ومثال ذلك إن المسلمين في إثيوبيا يمثلون 35% من حوالي 80 مليون نسمة، ويشكلون أغلبية في نيجيريا بـ 160 مليون نسمة من حوالي 240 مليون نسمة. عموما فإن الأفارقة المسلمين يشكلون أغلبية سكان القارة السمراء، وفيما عدا الصراعات التي تَنْشُبُ في إفريقيا، وهي من نتائج التاريخ الإستعماري والحروب الأهلية والتدخل الأجنبي، فإن وضعية المسلمين عادية بحكم كثرتهم العددية والجوار الإسلامي الواسع، بخلاف الأقليات الإسلامية في آسيا التي تعاني مشاكل عديدة مع المحيط الوثني، وأحيانا المسيحي، وأبرز بؤر الصراعات: (الفلبين و تايلند، والصين و مينامار)؛ وليست أزمة المسلمين في تايلندا بنفس الحدة في بلدان أخرى، (كالفلبين مثلا)، وجدير بالذكر أن الأزمة قد تجد حلها في الأيام المقبلة بالإتفاق على إنشاء حكم ذاتي موسع للمسلمين، الذين يشكلون حوالي 15% من سكان الأرخبيل المسمى فيلبين. أما بالنسبة للمسلمين في (سريلانكا) الذين يشكلون 12% من سكان الجزيرة البالغ عددهم 28 مليون نسمة، فإن الحرب الأهلية بين البوذيين والهندوس (1984-2012) قد أدت إلى قبول المجتمع السريلانكي للآخر، مخافة تجدد حرب أهلية لم تخرج منها سريلانكا إلا بصعوبة بالغة، وفَقد فيها 3 ملايين نسمة أرواحهم، بمن فيهم (راجيف غاندي رئيس وزراء الهند الأسبق)، مما أقنع السنهال البوذيين، الذين يشكلون 70% من مواطني البلاد بالعيش المشترك: “يُنزع بالسلطان ما لا يُنزع بالقرآن”.

 

الأقلية الإسلامية في الصين:

يعود دخول الإسلام إلى الصين في أقرب الإحتمالات إلى سنة 29 هجرية أي 651 ميلادية، في عهد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان “ض” 644-655م، الذي بعث سفارة إلى الصين في السنة نفسها، وتحديدا إلى عاصمة الصين آنذاك تشانغان <= شيآن حاليا>. والتجار المسلمون الذين عرفوا الطريق إلى الصين قبل وبعد هذا التاريخ، هم الذين قاموا بالدور الأساسي لنشر الإسلام في الصين. وفي القرن الثامن الميلادي قام “دوهوان” وهو رحالة صيني بوضع كتاب اسمه “رحلة إلى بلد الكتاب”، ذكر فيه أنه أقام في بلاد العرب اثنتي عشرة سنة (12) ويطلق على بلاد العرب عند الصينيين القدامي اسم: (داشي)، وهناك اسم آخر أطلقه نفس الرحالة على بلاد المسلمين العرب هو {أكولا} <= الكوفة>، وهذا الاسم جاء من اللغة السريانية التي تسمي الكوفة: آكولا. وقد تمت ترجمة عدة مختارات من القرآن الكريم على مر السنين إلى اللغات الصينية، إلا أن الترجمة الكاملة لمعاني القرآن لم تتم إلا في سنة 1981، قام بها محمد مكين ماجيان، وكان عدد من المسلمين الصينيين قد قاموا بترجمة آيات وأجزاء من القرآن إلى اللغات الصينية، وخاصة اللغة الفارسية والتركية التي تكتب بالأبجدية العربية عند مسلمي الصين. والمسلمون في الصين يتوزعون في مختلف أنحاء الصين وينتمون إلى 10 قوميات، من مجموع 56 قومية غير (الهان) أغلبية الشعب الصيني الذين يشكلون 90% من مواطني الصين، بينما باقي القوميات تشكل 10%. وينتمي المسلمون في الصين إلى 10 قوميات -كما سبقت الإشارة- هي: هوي – ويغور- قازان – طاجيك – أوزبك-غرغر- تاتار- سالابادآن – دوينغيانغ، إلا أن غالبية المسلمين من قومية ويغور.

لقد أسس الويغور ذوو الأصل التركي في القرن العاشر الميلادي، دولة إسلامية في منطقة شينغيانغ حاليا، عاشت لأكثر من 9 قرون. إلا أن الحرب الأهلية في الصين بين الحزب الوطني بزعامة الجنرال شيان كاي شيك والحزب الشيوعي بزعامة ماوتسي تونغ، أدت -خصوصا بعد انتصار الحزب الشيوعي في أكتوبر 1949– إلى سيطرته على المنطقة وقتل مئات الآلاف من المسلمين الويغور و تم تدمير المساجد وفرض القانون الجديد الذي يمنع الصيام والصلاة والحج والزكاة وكل ما يشير إلى الدين.

وخلال سنة 2018 عمدت الصين إلى اعتقال أكثر من مليون مسلم من الويغور، فيما تسميه إعادة التأهيل، حيث يتم إرغام المعتقلين على تغيير عقيدتهم، والمأساة أن بعض قيادات الويغور التي لجأت إلى مصر، تم تسليمها إلى بكين من طرف السلطات المصرية.

وقد سبق للمسلمين في منطقة تركستان الشرقية، أن انتفضوا عدة مرات خاصة في العصر الحديث، ففي سنة 1997 على وجه الخصوص، أسسوا حركة “شرق تركستان الإسلامية”، وعقدوا عدة مؤتمرات في تركيا، التي لا تخفي مساندتها لهم، وتستقبل القيادات اللاجئة منهم، مما أدى إلى أزمة عميقة بين تركيا والصين. ويشارك الآلاف من الويغور في الحرب في سوريا، الشيء الذي أدى إلى إرسال خمسة آلاف جندي صيني – على الأقل- إلى سوريا، لمساعدة النظام السوري والحقيقة لتصفية قضية إقليم شيانغ أو تركستان خارج الصين. ويعتبر هذا الإقليم من أهم أقاليم الصين من حيث توفر المواد الخام، وهو إقليم شاسع / يقع غرب الصين، وفيه أهم القواعد العسكرية والنووية الصينية، أما باقي القوميات الإسلامية التسع في الصين كالطاجيك والأوزبك والهوي …. فإنهم ليسوا في صراع مع السلطات الصينية حتى الآن، نظرا للظروف المحيطة بهم، ولكونهم يشكلون أقلية في مناطق عيشهم. وهناك خلاف حول عدد المسلمين الصينيين، فالحكومة تؤكد أن عددهم لا يتجاوز الـ 20 مليون نسمة، بينما يؤكد المسلمون أن عددهم أكثر من 50 مليون نسمة، وهناك مناطق إسلامية تَم تدجينها، فهم لا يمارسون الواجبات الدينية نظرا لعملية الإضطهاد التي تُمارس ضدهم، ولا يملكون للدلالة على إسلامهم، سوى الإعراض عن أكل لحم الخنزير. وقد قامت الدولة بتأسيس عدة تنظيمات للمسلمين تحت الرقابة الشاملة للسلطات الصينية.

بـرمـانــيا:

يعاني المسلمون في برمانيا «<=بورما سابقا (529.000 كلم2، خاصة مسلمي منطقة الأراكان<=الأركان»، ويطلق عليهم الروهينغا وهو تعبير محرف للمسلمين في هذه المنطقة التي صارت جزء من بورما في القرن 18 م، فقد تأسست عليه إمارة إسلامية هي دولة الأراكان <=أي جمع الركن باللغة العربية>، أما باقي المسلمين في برمانيا، فيعيشون في مختلف أنحاء البلاد. وإن كان المشكل الأساسي والرهيب هم مسلمو منطقة الأركان، فلأنهما منطقة واعدة بالمعادن والنفط والغاز. وتتشابه هذه المنطقة من برمانيا، بشكل مأساوي مع منطقة الويغور، أو تركستان الشرقية في الصين، مع الوضع الهادئ مؤقتا لباقي المسلمين في البلاد، وهو أمر مشابه لما يجري في الصين. فالمسلمون في هذه البلاد يتواجدون في مختلف الولايات، وقد سبق لهم أن أسسوا إمارة في منطقة الأركان مابين 1430 و1785، وكانوا يتكلمون الفارسية ويؤكدون أن أجدادهم من المغاربة والأفغان والفرس والترك والبنغال. وفي 1785 احتل السلطان البورمي “بورديابا” إمارة الأركان، وحاول بكل الطرق محو كل ماهو إسلامي في المنطقة. وبعد دخول الإستعمار الإنجليزي فإن مذابح كبرى قام بها البوذيون ضد المسلمين في الأركان، حيث قتل الآلاف وهرب البعض إلى البنغال الهندي خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.

لقد ظلت أزمة المسلمين في منطقة الأركان تشتعل منذ 1845 مرورا بـ 1937 و 1949 و 1987 حتى الأزمة الأخيرة الناتجة عن صدور قانون الجنسية لسنة 1982، وتأسيس حركة المجاهدين الإسلامية، فبعد الإنقلاب الذي قاده الجنرال “تي ون” في 1962، أصدر القانون السيء الذكر الذي منع المواطنين المسلمين في الأركان تقريبا من الجنسية البورمية، فصار أغلب الروهينجا، عديمي الجنسية بموجب هذا القانون، الذي اشترط شروطا مستحيلة لمنح الجنسية لمسلمي الروهينجا، أما باقي المسلمين في بورما – وإن كانت ظروفهم شبه عادية- إلا أنهم في أغلب الأحيان يختارون اسمين: اسم إسلامي تعرفه العائلة والأقارب والطائفة، واسم بورمي عام لإخفاء هويتهم الدينية. ودخل الإسلام إلى بورما عن طريق التجار العرب والفرس، إذ وجدت بعض العملات النقدية مؤرخة بسنة 1287م ، تحمل عبارة  “لا إله إلا الله محمد رسول الله“. وحاليا تتواجد في بورما عدة مؤسسات إسلامية، ويشكل المسلمون ككل حوالي 12% من حوالي 60 مليون نسمة، إلا أن البرلمان والحكومة والقيادة العسكرية تخلو من أي عضو مسلم. فمنذ 1962 جرت عملية إبعاد منظمة لجميع العناصر الإسلامية بعكس الفترة السابقة ل 1962، حيث تولى عدد من المسلمين مناصب حكومية وقيادية. ومن أهم المدن عدا مدينة كياب عاصمة الأركان. رانغون وماندلي وهما أهم مدينتين يتواجد فيهما المسلمون، وتتوفر رانغون على 100 مسجد، و ماندلي على 80 مسجدا، والمسلمون في بورما سنة حنفية في أغلبهم مع تواجد شيعة جعفرية واسماعيلية وبهرة. وقد استغلت الحكومة البورمية الصراعات في الشرق العربي، وسكوت العالم الإسلامي (إذ باستثناء بنغلاديش وماليزيا وبيان يتيم صادر عن منظمة التعاون الإسلامي، فإن أغلب الدول الإسلامية تجاهلت المذابح التي يتعرض لها المسلمون في الصين وبرمانيا)، فقامت الحكومة البورمية بتنفيذ مذابح رهيبة ضد المسلمين في الأركان، وألقت القوات المسلحة أطفال الروهينجا في النار، وقتلت آلاف النساء، مما اضطر نصف مليون منهم، للهروب إلى بنغلاديش، التي استقبلت خلال الـ 70 سنة الماضية، مئات الآلاف المسلمين من منطقة الأراكان رغم ظروفها الصعبة.

خلاصة:

لقد استغلت بورما والصين، الظروف المأساوية التي يعيشها العالم العربي: القائد المعنوي والسياسي ومحط الأماكن المقدسة للمسلمين في العالم، والحروب الأهلية، والانقلابات العسكرية، والاجتماعية، والصراع المذهبي، الذي قد يتحول، إلى عسكري مع إيران الشيعية، في الخليج العربي، لتمرير بكين ورانغون مخططيهما، لتصفية القضية الإسلامية في البلدين. ومن المؤسف أن الأمم المتحدة ومجلسها الحقوقي، أشد اهتماما بقضية المسلمين في الصين وبرمانيا، من المسلمين أنفسهم، بل أن المنظمات الإسلامية في الخليج العربي، والأزهر، تلتزم الصمت الرهيب، أمام هذه المذابح وتتجاهل محنة الأقليات الإسلامية، لمجرد تمرير أنبوب نفط، أو تأييد في صراع وهمي، قد ينعكس مع مرور الأيام على نفس البلدان.

لقد تمت عملية إخراج العرب من التاريخ، عبر سحقهم بكل أنواع الأسلحة وتدمير أنظمتهم،  وتدجين الشعوب، ودعم أنظمة لا تهتم إلا ببقائها المأساوي، وذلك عبر خلق مجموعة، من النزاعات الحدودية، والانقلابات الدموية، في العراق، ومصر، و ليبيا، و أفغانستان، وتدعيمها بمشاركة مالية، وخبرة من دول الخليج، التي لا يهمها الخروج من التاريخ، بقدر ما يهمها الكراسي، وتدمير النظام العربي، يستتبعه تدمير النظام / العالم الإسلامي، وينعكس ذلك ببشاعة، على الأقليات الإسلامية والعربية في العالم.

*باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *