عبد الله العلوي يكتب: العلاقات الإيرانية الأمريكية المُلتبسة

القائمة البريدية

إشترك في قائمتنا البريدية ليصلك جديد الموقع .

تقديم الملاحظ جورنال

مع صعود جون بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، طرح السؤال الأكثر رؤية في استقرار الشرق الأوسط، والأكثر فاعلية في استعادة الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن خيارات إيران النووية التي استعادت مع انسحاب الرئيس الأمريكي السابق ترامب في 8 مايو من السنة 2018 من الإتفاق النووي مع الدول الست أو المجموعة 5 +1 (الصين- روسيا- أمريكا- فرنسا- بريطانيا) و(ألمانيا)، والتوصل خلال المفاوضات التي أبرمت بشأنه بمدينة لوزان في السنة 2015، إلى تسوية تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، (استعادت إيران بعد انسحاب ترامب من الإتفاق) أهداف البرنامج النووي الذي تحضره، وظل امتداده أسبقية في اهتمامات الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي(الصين- روسيا- فرنسا- بريطانيا) بالإضافة إلى ألمانيا، بحيث لم يحظ لديها الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق بالتأييد، واعتبرت الإتفاق بالإستناد على قرار مجلس الأمن بأنه لا يزال «إطارًا قانونيًا دوليًا ملزمًا لحل النزاع”، ثم، أن عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإتفاق قد انتصب هدفا في حملة بايدن في انتخابات الرئاسة، وأشار خلالها باحتمالات كبيرة بالإنضمام مرة ثانية إلى الإتفاق، وهو ما قد حصل مع اجتماع فيينا بداية الأسبوع الأول من أبريل السنة 2021، ووصف بأنه الخطوة الأكثر تقدما لفريق التفاوض الأمريكي بشأن ملف الإتفاق النووي مع إيران.

لهذه الأهمية، نستعيد للنشر التدخل الإعلامي للأستاذ الباحث عبد الله العلوي، من خلال العمل الذي أنجزه في 4 أبريل 2020، في عنوان {العلاقات الإيرانية الأمريكية الملتبسة}، ويلقي فيه الكاشف على بداية البرنامج النووي الإيراني الذي نهض بمساعدة أمريكية، كما يفسر تلك الأهمية في توفر إيران على برنامج نووي، واستهدفت من خلاله الولايات المتحدة الأمريكية وبتعبير الكاتب عبد الله العلوي، {وضع العالم العربي بين كماشتين: الكيان الصهيوني من جهة وإيران من جهة أخرى}، بالإضافة إلى توقع {التصالح} بين أمريكا وإيران كما يستخلص الكاتب ذلك، باعتبار ذلك لازمة في العلاقات بين البلدين، وبالتالي فالمقال بالقدر الذي يلقي بوادر التقارب من خلال مضامين العلاقة الكلية، انتظر في اشتداد الأزمة حول الملف النووي أن يتم التوصل إلى تجاوز الأزمة اعتمادا على البعد النفعي/البراغماتي الذي يؤطر للعلاقة بين أمريكا وإيران. نتابع، التفكيك الإستباقي للأستاذ عبد الله العلوي لأزمة الملف النووي، وكيف يساير تطورات الأحداث من خلال مفاوضات فيينا؟

العلاقات الإيرانية الأمريكية المُلتبسة

*عبد الله العلوي

تتميز العلاقات الإيرانية / الأمريكية بكم هائل من المواقف المتناقضة عبر التاريخ خاصة منذ الانقلاب الذي قامت به أجهزة المخابرات الأمريكية ضد حكومة رئيس الوزراء مصدق في 1953، والذي أثمر عودة شاه إيران إلى ممارسة السلطة المطلقة و التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية. كانت حكومة مصدق حكومة وطنية وضعت برنامجا اقتصاديا و اجتماعيا لتوزيع الثروة على الشعب الإيراني خاصة مداخيل النفط، ولم تك لها أي صبغة إيديولوجية ماركسية أو دينية، إلا أن واشنطن في إطار الحرب الباردة لم تستسغ وجود حكومة وطنية مستقلة في إيران، فكان الانقلاب العسكري الذي سوند من طرف المخابرات والجيش الأمريكيين.

لقد ساعدت واشنطن نظام الشاه في تأسيس جيش قوي ومخابرات منظمة مارسا قهرا لا مثيل له ضد المعارضة. كما ساعدت الطائفة البهائية، وهي جماعة مُجدفة، على الوصول إلى السلطة، وكان أبرز عناصرها رئيس الوزراء السابق “عباس هويدا”. وتم اغتيال الآلاف من العناصر الوطنية أو الدينية وزج بمئات الآلاف في السجون. وعلى المستوى الخارجي تم ربط نظام الشاه بعلاقة استراتيجية مع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وساعد الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر 1973 بالمال و النفط لهزيمة الدول العربية. كانت “إيران الشاه” قد استولت في 1971 فور خروج بريطانيا من الخليج العربي على الجزر الإماراتية الثلاث: طمب الكبرى و الصغرى و جزيرة أبو موسى، كما أكدت مطالبها الدائمة بالبحرين باعتبارها جزءا من إيران، وكان صمت شاه إيران عن ضم البحرين مرتبطا باتفاق مع المملكة العربية السعودية بمبادلتها بالجزر الثلاث، مما جعل العلاقات السعودية / الإماراتية تشوبها أزمة ظلت تلقي بظلالها على علاقة البلدين.

حدثت كل هذه المنعرجات التاريخية بموافقة و تدخل واشنطن التي حلت محل بريطانيا في المنطقة. كانت السياسة الأمريكية –قبل 1979- قد وضعت مخططا للمنطقة يتميز بوضع العالم العربي بين كماشتين : الكيان الصهيوني من جهة  وإيران من جهة أخرى، لذلك قامت الولايات المتحدة فور انتهاء حرب أكتوبر 1973 وشاركتها بعض الدول الغربية: فرنسا وكندا ببناء أول مفاعل ذي طبيعة عسكرية في إيران وتزويده بالأجهزة الطردية والبلوتنيوم. وكان طموح شاه إيران قويا لبناء قوة نووية و صاروخية للسيطرة على المنطقة، وذلك لم يواجه بأي معارضة عربية خصوصا من دول المنطقة السعودية وأقطار الخليج العربي ومصر أنور السادات باستثناء العراق الذي حذر من الطموحات الإيرانية لنظام الشاه؛ وبدأ في بناء مفاعل تموز النووي الذي دمرته القوات العسكرية الغربية في 1981، و قيل إن الكيان الصهيوني هو الذي نفذ الهجوم، بينما لم يتعرض المفاعل النووي الإيراني لأي هجوم، وزعم أن السبب في ذلك تقني وهو وجود المفاعلات النووية موزعة في مختلف أنحاء إيران ، لكن ليس هذا هو السبب فالسياسة الأمريكية في مواجهة إيران / آيات الله تتميز بمواقف استثنائية وغامضة ومؤيدة بالفعل و معارضة بالتصريحات، ذلك أن تدمير الطموحات العربية النووية في العراق استراتيجية، بينما تدمير المفاعل النووي الإيراني تكتيك مرحلي فقط.

وما يدل على ذلك أن واشنطن قامت بإزالة أشرس أعداء إيران في المنطقة نظام طالبان السني المتشدد برئاسة الراحل المُلا محمد عمر في أفغانستان في 2001، ونظام البعث العراقي ذي الخلفية السنية برئاسة الراحل صدام حسين في 2003، وبذلك ساعدت إيران في التمدد في العراق وأفغانستان والمنطقة ككل/ ومنذ 1974 إلى غاية الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن + ألمانيا في 2015 لم تتعرض مفاعلات إيران لأي تهديد عسكري؛ وكان الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة + ألمانيا، فقد تميزت المباحثات بكون إيران لم تطرح مطلقا نووية الكيان الصهيوني أو القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 674 بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي وهو المشروع الذي صدر ونفذ ضد العراق / البعثي وانتهى العمل به بعد احتلاله في 2003.

في كتابه “التجربة” أشار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق غيتس إلى معارضته الشديدة لأي حرب مع إيران مؤكدا أن الكيان الصهيوني و الرياض يجران واشنطن لحرب، وأشار إلى مقابلة له مع الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في 2013 الذي وصف إيران برأس الأفعى، وقد غمز غيتس في مذكراته بكون زيارة الرئيس الأمريكي الحالي (الأسبق) دونالد ترامب و الصفقات التي عقدها مع الرياض والتي قد تتجاوز 400 مليار دولار هي جزء من الخطة لجر واشنطن لحرب جديدة في المنطقة، مما يدل على أن واضعي السياسة في واشنطن غير متفقين على خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران الذي منحها صفة دولة إقليمية كبرى تمتلك الدورة النووية. وبعد 10 سنوات ستكون هذه الدورة قد اكتملت و بقرار دولي. إلا أن سياسة دول الخليج العربي فيما يخص نووية إيران تصطدم بصمتها المريب عن نووية الكيان الصهيوني لاعتقادها أن الخطر الإيراني أشد لكون إيران دولة كبرى مساحتها1,648,195 كلم2 وسكانها حوالي 90 مليون نسمة، ولكونها دولة إسلامية تقود الصراع المذهبي الشيعي / السني في البحرين و الكويت و السعودية و باكستان وأفغانستان والعراق حيث  تتواجد جماعات أو طوائف شيعية تتفاوت في ضخامتها لتصل إلى أغلبية في العراق والبحرين،  بينما ترى تلك الدول أن الكيان الصهيوني محدود جغرافيا و بشريا  مختلف الديانة غير مسلم، وبالتالي لا خطر منه.

إن تقدير الأمر على هذا النحو يجعل السياسة العربية لا تتمتع ببعد نظر فنووية إيران يجب أن تقابلها نووية السعودية، وتأسيس جيش قوي ظل ينتظر الوجود منذ تأسيس الملك عبد العزيز آل سعود للمملكة في 1932، بدل الخوف من وجوده وقوته على الأسرة / المالكة. إن استدعاء الأجانب الذين لهم أجندة خاصة للقتال بمقابل ونيابة عن بعض الدول العربية هي سياسة يعوزها المنطق و القرار الاستراتيجي، ثم إن الابتزاز المالي و السياسي الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي ترامب بلا مواربة بل و في حضور ولي العهد السعودي أحيانا و علنا يدل على أن الأمر يتعلق بتجفيف مالي للمدخرات العربية؛ ثم إن التوصل فيما بعد إلى اتفاق بين واشنطن أمر منتظر وأكيد مع إيران وسيكون ضد النظام العربي الجديد الذي تقوده الرياض و أبوظبي بعد انهيار النفوذ المصري، فواشنطن لن تقاتل نيابة عن دول الخليج العربي حتى ولو تقاضت الثمن، والشروط الـ 12 التي اشترطها وزير الخارجية الأمريكي على طهران ستؤول في أسوأ التقديرات إلى شرطين أو ثلاثة، خصوصا أن الحصار السابق ضد إيران الذي أدى إلى اتفاق 2015 كان – أي الحصار- بمشاركة الاتحاد الأوروبي وروسيا و الصين، وهذه الدول اليوم غير موافقة على الخروج من الاتفاقية ثم هناك حربا تجارية قد تقع أو بدأت بوادرها بإصدار واشنطن قرارات حمائية ضد الصين قد تضاف إليها سلع ألمانيا حيث يبلغ الفائض التجاري لصالح الصين حوالي 330 مليار دولار ولصالح ألمانيا حوالي 114 مليار دولار –الفائض التجاري = النقص بين الصادرات  والواردات- بالإضافة إلى الأزمة الكورية و العلاقة الملتبسة مع موسكو؛ ثم إن العلاقة  بين واشنطن و إيران تنتهي دائما بالتصالح، لأن كلا القيادتين ذات بُعد نفعي أو براغماتي، فواشنطن أمدت خدمات لإيران سواء في عهد الشاه أو في عهد الآيات، ومنحتها العراق على طبق من ذهب – السياسة لا يدعى فيها أخطاء استراتيجية، فالأمر يكون دائما مدروسا قبل اتخاذ أي قرار- وأزالت أعداءها الكبار خاصة نظامي طالبان والبعث، وتسمي في وثائقها الخليج العربي بالخليج الفارسي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *